الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
(229) سئل فضيلة الشيخ : عن حكم طاعة الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب بقوله : الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله تجب طاعته في غير معصية الله ورسوله ، ولا تجب محاربته من أجل ذلك ، بل ولا تجوز إلا أن يصل إلى حد الكفر فحينئذ تجب منابذته ، وليس له طاعة على المسلمين. والحكم بغير ما في كتاب الله وسنة رسوله يصل إلى الكفر بشرطين : الأول : أن يكون عالماً بحكم الله ورسوله ، فإن كان جاهلاً به لم يكفر بمخالفته. الثاني : أن يكون الحامل له على الحكم بغير ما أنزل الله اعتقاد أنه حكم غير صالح للوقت وأن غيره أصلح منه ، وأنفع للعباد ، وبهذين الشرطين يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً مخرجاً عن الملة لقوله ـ تعالى-: أما إذا كان يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن الحكم به أي بما أنزل الله هو الواجب ، وأنه أصلح للعباد ، لكن خالفه لهوى في نفسه أو إرادة ظلم المحكوم عليه ، فهذا ليس بكافر بل هو إما فاسق أو ظالم، وولايته باقية ، وطاعته (في غير معصية الله ورسوله) واجبة ، ولا تجوز محاربته أو إبعاده عن الحكم بالقوة ، والخروج عليه ، لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، نهى عن الخروج على الأئمة إلا أن نرى كفراً صريحاً عندنا فيه برهان من الله -تعالى-. (230) وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم الذبح لغير الله؟ وهل يجوز الأكل من تلك الذبيحة؟ فأجاب قائلاً : الذبح لغير الله شرك أكبر لأن الذبح عبادة كما أمر الله به في قوله : وأما الأكل من لحوم هذه الذبائح فإنه محرم لأنها أهل لغير الله بها وكل شيء أهل لغيرالله به أو ذبح على النصب فإنه محرم كما ذكر الله ذلك في سورة المائدة في قوله -تعالى-: (231) سئل فضيلة الشيخ : عن حكم الذبح لغير الله؟ فأجاب بقوله:تقدم لنا في غير هذا الموضع أن توحيد العبادة هو إفراد الله - سبحانه وتعالى - بالعبادة بأن لا يتعبد أحد لغير الله -تعالى -بشيء من أنواع العبادة ، ومن المعلوم أن الذبح قربة يتقرب بها الإنسان إلى ربه لأن الله -تعالى- أمر به في قوله: وبناء على ذلك نقول : إن ما يفعله بعض الناس من الذبح للقبور - قبور الذين يزعمون بأنهم أولياء - شرك مخرج عن الملة ، ونصيحتنا لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله - عز وجل- مما صنعوا ، وإذا تابوا إلى الله وجعلوا الذبح لله وحده كما يجعلون الصلاة والصيام لله وحده ، فإنه يغفر لهم ما سبق كما قال الله -تعالى - : فنصيحتي لهؤلاء الذي يتقربون إلى أصحاب القبور بالذبح لهم : أن يتوبوا إلى الله من ذلك ، وأن يرجعوا إليه ،وأن يخلصوا دينهم له سبحانه ،وليبشروا إذا تابوا بالتوبة من الكريم المنان ، فإن الله - سبحانه وتعالى- يفرح بتوبة التائبين وعودة المنيبين. (232) سئل فضيلة الشيخ : هل تقبل توبة من سب الله -عز وجل- أو سب الرسول ، صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب حفظه الله بقوله : اختلف في ذلك على قولين : القول الأول بقوله: أنها لا تقبل توبة من سب الله ، أو سب رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، وهو المشهور عند الحنابلة ، بل يقتل كافراً ، ولا يصلى عليه ، ولا يدعى له بالرحمة ، ويدفن في محل بعيد عن قبور المسلمين. القول الثاني: أنها تقبل توبة من سب الله أو سب رسوله، صلى الله عليه وسلم ، إذا علمنا صدق توبته إلى الله ، وأقر على نفسه بالخطأ ، ووصف الله -تعالى - بما يستحق من صفات التعظيم ، وذلك لعموم الأدلة الدالة على قبول التوبة كقوله - تعالى -: أحدهما : أمر شرعي لكونه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا يقبل إذا تاب. الثاني : أمر شخصي ، وهذا لا تقبل التوبة فيه لكونه حق آدمي لم يعلم عفوه عنه ، وعلى هذا فيقتل ولكن إذا قتل ، غسلناه ، وكفناه ، وصلينا عليه، ودفناه مع المسلمين. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقد ألف كتاباً في ذلك اسمه "الصارم المسلول في تحتم قتل ساب الرسول" وذلك لأنه استهان بحق الرسول ، صلى الله عليه وسلم، وكذا لو قذفه صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل ولا يجلد. فإن قيل : أليس قد ثبت أن من الناس من سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، في حياته وقبل النبي ، صلى الله عليه وسلم ، توبته؟ أجيب:بأن هذا صحيح ، لكن هذا في حياته ، صلى الله عليه وسلم ، والحق الذي له قد أسقطه، وأما بعد موته فإنه لا يملك أحد إسقاط حقه،صلى الله عليه وسلم ، فيجب علينا تنفيذ ما يقتضيه سبه، صلى الله عليه وسلم ، من قتل سابه ، وقبول توبة الساب فيما بينه وبين الله تعالى . فإن قيل:إذا كان يحتمل أن يعفو عنه لو كان في حياته ، أفلا يوجب ذلك أن نتوقف في حكمه؟ أجيب : بأن ذلك لا يوجب التوقف لأن المفسدة حصلت بالسب ، وارتفاع أثر هذا السب غير معلوم والأصل بقاؤه. فإن قيل : أليس الغالب أن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، يعفو عمن سبه ؟ أجيب : بلى ، وربما كان العفو في حياة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، متضمناً المصلحة وهي التأليف ، كما كان ، صلى الله عليه وسلم ، يعلم أعيان المنافقين ولم يقتلهم (233) سئل فضيلة الشيخ - أعلى الله درجته في المهديين - عمن سب الدين في حالة غضب هل عليه كفارة؟ وما شرط التوبة من هذا العمل؟ وهل ينفسخ نكاح زوجته؟ فأجاب -حفظه الله -بقوله : الحكم فيمن سب الدين الإسلامي أنه يكفر فإن سب الدين والاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله -عز وجل- وبدينه وقد حكى الله عن قوم استهزؤوا بدين الإسلام حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون : إنما كنا نخوض ونلعب فبين الله -عز وجل- أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله وأنهم كفروا به فقال-تعالى-: ومع ذلك فإن هناك مجالاً للتوبة منه لقول الله-تعالى-: الشرط الأول : الإخلاص لله بتوبته بأن لا يكون الحامل له على التوبة رياء أو سمعة ، أو خوفاً من مخلوق ، أو رجاء لأمر يناله من الدنيا فإذا أخلص توبته لله وصار الحامل له عليها تقوى الله - عز وجل - والخوف من عقابه ورجاء ثوابه فقد أخلص لله-تعالى- فيها. الشرط الثاني: أن يندم على ما فعل من الذنب بحيث يجد في نفسه حسرة وحزناً على ما مضى ، ويراه أمراً كبيراً يجب عليه أن يتخلص منه. الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب وعن الإصرار عليه؛ فإن كان ذنبه ترك واجب قام بفعله وتداركه إن أمكن ، وإن كان ذنبه بإتيان محرم أقلع عنه وابتعد عنه ومن ذلك إذا كان الذنب يتعلق بالمخلوقين ، فإنه يؤدي إليهم حقوقهم أو يستحلهم منها. الشرط الرابع: العزم على أن لا يعود في المستقبل بأن يكون في قلبه عزم مؤكد ألا يعود إلى هذه المعصية التي تاب منها. الشرط الخامس أن تكون التوبة في وقت القبول فإن كانت بعد فوات وقت القبول لم تقبل، وفوات وقت القبول عام وخاص: أما العام فإنه طلوع الشمس من مغربها فالتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل لقول الله-تعالى-: وأما الخاص فهو حضور الأجل فإذا حضر الأجل فإن التوبة لا تنفع لقول الله - تعالى- : أقول : إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب ولو كان ذلك سب الدين فإن توبته تقبل إذا استوفت الشروط التي ذكرناها ، ولكن ليعلم أن الكلمة قد تكون كفراً وردة ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره ، فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب ، نقول له : إن كان غضبك شديداً بحيث لا تدري ماذا تقول ولا تدري حينئذ أأنت في سماء أم في أرض وتكلمت بكلام لا تستحضره ولا تعرفه فإن هذا الكلام لا حكم له ولا يحكم عليك بالردة لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد ، وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد فإن الله -سبحانه وتعالى -لا يؤاخذ به يقول : الله -تعالى - في الأيمان: (234) وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم الاستهزاء بالله - تعالى - أو برسوله ، صلى الله عليه وسلم ، أو سنته ، صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب بقوله : الاستهزاء بالله-تعالى-أو برسوله ، صلى الله عليه وسلم أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كفر وردة يخرج به الإنسان من الإسلام لقول الله -تعالى-: (235) وسئل -حفظه الله -: عن حكم من يمزح بكلام فيه استهزاء بالله أو الرسول ، صلى الله عليه وسلم، أو الدين؟ فأجاب بقوله : هذا العمل وهو الاستهزاء بالله أو رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزح ، ولو كان على سبيل إضحاك القوم كفر ونفاق ، وهو نفس الذي وقع في عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ،في الذين قالوا : "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ،ولا أكذب ألسناً ، ولا أجبن عند اللقاء". يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه القراء فنزلت فيهم : (236) وسئل فضيلته : عن حكم الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟ فأجاب قائلا : الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله - تعالى- ورسوله ، صلى الله عليه وسلم، لكونهم التزموا بذلك محرم وخطير جداً على المرء، لأنه يخشى أن تكون كراهته لهم لكراهة ما هم عليه من الاستقامة على دين الله وحينئذ يكون استهزاؤه بهم استهزاء بطريقهم الذي هم عليه فيشبهون من قال الله عنهم : فليحذر الذين يسخرون من أهل الحق لكونهم من أهل الدين فإن الله- سبحانه وتعالى - يقول : (237) وسئل أيضاً : عن حكم من يسخر بالملتزمين بدين الله ويستهزئ بهم ؟ فأجاب بقوله: هؤلاء الذين يسخرون بالملتزمين بدين الله المنفذين لأوامر الله فيهم نوع نفاق لأن الله قال عن المنافقين :
(238) سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله-: هل يجوز البقاء بين قوم يسبون الله- عز وجل ؟ فأجاب - حفظه الله - بقوله : لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله - عز وجل - لقوله تعالى: (239) وسئل فضيلة الشيخ : عن حكم من سخر بصاحب اللحية ورافع ثوبه عن كعبيه؟ فأجاب قائلاً : من سخر بصاحب اللحية ورافع ثوبه عن كعبيه فإن قصد السخرية بعمله وهو يعلم أنه من شريعة الله- تعالى -، فقد سخر من شريعة الله - تعالى - ، وإن قصد السخرية بالشخص نفسه لدوافع شخصية فإنه لا يكفر بذلك.
(240) سئل فضيلة الشيخ : عن حكم دعاء المخلوق؟ فأجاب- رعاه الله - بقوله: الدعاء ينقسم إلى ثلاثة أقسام : الأول: جائز وهو أن تدعو مخلوقاً بأمر من الأمور التي يمكن أن يدركها بأشياء محسوسة معلومة ، قال ، صلى الله عليه وسلم ، في حقوق المسلم على أخيه : الثاني : أن تدعو مخلوقاً مطلقاً -سواء كان حياً أو ميتاً - فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك أكبر، لأن هذا من فعل الله لا يستطيعه البشر مثل : يا فلان اجعل ما في بطن امرأتي ذكراً . الثالث: أن تدعو مخلوقاً لا يجيب بالوسائل الحسية المعلومة كدعاء الأموات فهذا شرك أكبر أيضاً ، لأن هذا لا يقدر عليه المدعو ولا بد أن يعتقد فيه الداعي شيئاً سرياً يدبر به الأمور. (241) سئل فضيلة الشيخ: عن رجل محافظ على الصلاة والصيام وظاهر حاله الاستقامة ، إلا أن له حلقات يدعو فيها الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وعبد القادر ، فما حكم عمله هذا؟ فأجاب بقوله : ما ذكره السائل يحزن القلب ، فإن هذا الرجل الذي وصفه بأنه يحافظ على الصلاة والصيام ، وأن ظاهر حاله الاستقامة قد لعب به الشيطان وجعله يخرج من الإسلام بالشرك وهو يعلم أو لا يعلم ، فدعاؤه غير الله - عز وجل - شرك أكبر مخرج عن الملة ، سواء دعا الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، أو دعا غيره ، وغيره أقل منه شأناً وأقل منه وجاهة عند الله - عز وجل - فإذا كان دعاء رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، شركاً فدعاء غيره أقبح وأقبح من عبد القادر أو غير عبد القادر ، والرسول ، عليه الصلاة والسلام ، نفسه لا يملك لأحد نفعاً ولا ضراً قال الله - تعالى - آمراً له: ونصيحتي لهذا الرجل أن يتوب إلى الله من هذا الأمر المحبط للعمل فإن الشرك يحبط العمل قال الله - تعالى - : (242) سئل فضيلة الشيخ: عن حكم دعاء أصحاب القبور؟ فأجاب بقوله : الدعاء ينقسم إلى قسمين : القسم الأول : دعاء عبادة ، ومثاله الصلاة ، والصوم وغير ذلك من العبادات فإذا صلى الإنسان ، أو صام فقد دعا ربه بلسان الحال أن يغفر له ، وأن يجيره من عذابه ، وأن يعطيه من نواله ، ويدل لهذا قوله- تعالى-: القسم الثاني: دعاء المسألة ، وهذا ليس كله شركاً بل فيه تفصيل: أولاً :إن كان المدعو حياً قادراً على ذلك فليس بشرك ، كقولك :اسقني ماء لمن يستطيع ذلك، قال ، صلى الله عليه وسلم : ثانياً : إن كان المدعو ميتاً فإن دعاءه شرك مخرج عن الملة . ومع الأسف أن في بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن فلاناً المقبور الذي بقي جثة أو أكلته الأرض ينفع أو يضر ، أو يأتي بالنسل لمن لا يولد له ، وهذا والعياذ بالله شرك أكبر مخرج عن الملة ، وإقرارهذا أشد من إقرار شرب الخمر ، والزنى ، واللواط ؛ لأنه إقرار على كفر ، وليس إقراراً على فسوق فقط فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين . (243) سئل فضيلة الشيخ : يقول : بعض الناس عند الشدة : "يا محمد أو ياعلي ، أو يا جيلاني" فما الحكم ؟ فأجاب بقوله : إذا كان يريد دعاء هؤلاء والاستغاثة بهم فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة ، فعليه أن يتوب إلى الله - عز وجل- وأن يدعو الله وحده ، كما قال -تعالى- : مشركاً ، سفيه مضيع لنفسه ، قال الله - تعالى -:
(244) سئل فضيلة الشيخ : هل عبادة الإنسان لصفة من صفات الله يعد من الشرك وكذلك دعاؤها؟ فأجاب بقوله : عبادة الإنسان لصفة من صفات الله ، أو دعاؤه لصفة من صفات الله من الشرك ، وقد ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - لأن الصفة غير الموصوف بلا شك وإن كانت هي وصفه ، وقد تكون لازمة وغير لازمة ، لكن هي بلا شك غير الموصوف فقوة الإنسان غير الإنسان وعزة الإنسان غير الإنسان ، وكلام الإنسان غير الإنسان، كذلك قدرة الله - عز وجل- ليست هي الله بل هي صفة من صفاته فلو تعبد الإنسان لصفة من صفات الله لم يكن متعبداً لله؛ وإنما تعبد لهذه الصفة لا لله - عز وجل - والإنسان إنما يتعبد لله - عز وجل - 245- وسئل أيضاً : هل قول الإنسان : يا رحمة الله ، يدخل في دعاء الصفة الممنوع؟ فأجاب بقوله : إذا كان مراد الداعي بقوله : "يا رحمة الله" الاستغاثة برحمة الله - تعالى - يعني أنه لا يدعو نفس الرحمة ولكنه يدعو الله - سبحانه وتعالى - أن يعمه برحمته كان هذا جائزاً ، وهذا هو الظاهر من مراده ، فلو سألت القائل هل أنت تريد أن تدعو الرحمة نفسها أو تريد أن تدعو الله - عز وجل - ليجلب لك الرحمة؟ لقال : هذا هو مرادي. أما إن كان مراده دعاء الرحمة نفسها فقد سبق جوابه ضمن جواب السؤال السابق. (246)سئل فضيلة الشيخ : قلتم في الفتوى رقم "244" : إن عبادة صفة من صفات الله أو دعاءها من الشرك ، وقد جاء في شرح العقيدة الطحاوية إذا قلت : "أعوذ بعزة الله" فقد عذت بصفة من صفات الله ، ولم تعذ بغير الله . . فعلم أن الذات لا يتصور انفصال الصفات عنها بوجه من الوجوه . . وقد قال ، صلى الله عليه وسلم : فأجاب بقوله : ما نقله السائل من كلام شارح الطحاوية لا ينافي ما ذكرناه فإن من المعلوم أنه لا توجد ذات مجردة عن صفة أبداً ولو لم يكن فيها إلا صفة الوجود ، وكونه واجباً أو ممكناً وكونها على صفة معينة من صغر أو كبر أو نحو ذلك لكان كافياً في الدلالة على أنه لا يمكن وجود ذات بلا صفة ما . ولكن إذا عبد الإنسان صفة من صفات الله أو دعاها فإن هذا يشعر بكون الصفة بائنة عن الله - تعالى - مستقلة عنه وهذا هو وجه كونه شركاً . وأما ما جاء في الأحاديث التي ذكرها شارح الطحاوية مثل : "أعوذ بعزتك" "أعوذ بعظمتك" ، "أعوذ برضاك" ، "أعوذ بكلمات الله التامة" فحقيقته أنه استعاذة بالله متوسلاً إليه بهذه الصفات المقتضية للعياذ ،ولهذا قال شارح الطحاوية على ما نقله السائل : ولا يعوذ صلى الله عليه وسلم بغير الله . وإليك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في أن دعاء صفة من صفات الله كفر قال في الصفحة الثمانين من تلخيص كتاب الاستغاثة ما نصه : "إن مسألة الله- تعالى - بأسمائه وصفاته وكلماته جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث وأما دعاء صفاته وكلماته فكفر باتفاق المسلمين فهل يقول : مسلم : يا كلام الله اغفر لي وارحمني وأغثني أو أعني أو يا علم الله أو يا قوة الله أو يا عزة الله أو يا عظمة الله ونحو ذلك أو سمع من مسلم أو كافر أنه دعا ذلك من صفات الله وصفات غيره أو يطلب من الصفة جلب منفعة أو دفع مضرة أو إعانة أو نصر أو إغاثة أو غير ذلك". ا هـ . هذا والله أسأل أن يوفق الجميع لما فيه الخير لنا وللأمة. (247) سئل فضيلة الشيخ : عن رجل يستغيث بغير الله ويزعم أنه ولي الله فما علامات الولاية؟ فأجاب : علامات الولاية بينها الله - عز وجل- في قوله: ونصيحتي لإخواني المسلمين في هذه الأمور أن لا يغتروا بهؤلاء ، وأن يكون مرجعهم في ذلك إلى كتاب الله ، وإلى ما صح من سنة النبي ، صلى الله عليه وسلم ،حتى يكون رجاؤهم، وتوكلهم ، واعتمادهم على الله وحده ، وحتى يؤمنوا بذلك لأنفسهم استقراراً وطمأنينة ، وحتى يحفظوا بذلك أموالهم أن يبتزها هؤلاء المخرفون ، كما أن في لزوم ما دل عليه الكتاب والسنة في مثل هذه الأمور في ذلك إبعاداً لهؤلاء عن الاغترار بأنفسهم ، هؤلاء الذين يدعون أنفسهم أحياناً أسياداً ، وأحياناً أولياء ، ولو فكرت أو تأملت ما هم عليه لوجدت فيهم بعداً عن الولاية والسيادة ، ولكنك تجد الولي حقيقة أبعد الناس أن يدعو لنفسه وأن يحيطها بهالة من التعظيم والتبجيل وما أشبه ذلك ، تجده مؤمناً ، تقياً ، خفياً لا يظهر نفسه ، ولا يحب الإشهار، ولا يحب أن يتجه الناس إليه ، أو أن يتعلقوا به خوفاً أو رجاء . فمجرد كون الإنسان يريد من الناس أن يعظموه ، ويحترموه ، ويبجلوه ، ويكون مرجعاً لهم ، ومتعلقاً لهم ، هذا في الحقيقة ينافي التقوى وينافي الولاية ، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيمن طلب العلم ليماري به السفهاء ، أو يجاري به العلماء ، أو ليصرف وجوه الناس إليه فعليه كذا وكذا من الوعيد ، فالشاهد في قوله : فنصيحتي لإخواني المسلمين أن لا يغتروا بهؤلاء وأمثالهم وأن يرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، وأن يعلقوا آمالهم ورجاءهم بالله وحده. (248)سئل فضيلته : عن رأيه فيمن تغيرت لديهم المفاهيم وصار عندهم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟ . فأجاب - حفظه الله - بقوله : رأيي في هؤلاء الذين تغيرت عندهم المفاهيم حتى رأوا المعروف منكراً والمنكر معروفاً وصاروا لا ينكرون من المنكر شيئاً ولا يقرون من المعروف شيئاً ، رأيي أن هؤلاء انسلخوا من الدين - والعياذ بالله- وذلك لأن من جعل المعروف الذي ، من شريعة الله - عز وجل - منكراً فقد كفر بالشريعة ، وكذلك من جعل المنكر معروفاً فقد آمن بالطاغوت ، والإيمان لا يتم إلا بالكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، فعلى هؤلاء أن يراجعوا أنفسهم ويفكروا في أمرهم ويعرفوا أصلهم ومنتهى أمرهم فإن أصلهم العدم ومنتهى أمرهم الفناء من الدنيا ، قال - تعالى - :
(249)سئل فضيلة الشيخ : عن قوم يضربون أنفسهم بالحديد والسلاح ولا يتأثرون ويزعمون أنهم أولياء الله؟ فأجاب بقوله : كون هؤلاء يضربون أنفسهم بالحديد أو غير الحديد ولا يتأثرون بذلك فإن هذا لا يدل على صدقهم ، ولا على أنهم من أولياء الله ، ولا على أن هذا كرامة لهم ، وإنما هذا من أنواع السحر الذي يسحرون به أعين الناس ، والسحر يكون في مثل هذا وغيره ، فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما ألقى سحرة فرعون حبالهم وعصيهم صارت من سحرهم يخيل إليه أنها تسعى، وأنها حيات وأفاعٍ كما قال الله - عز وجل - : واعلم - رحمك الله - أن الكرامة لا تكون إلا لأولياء الله ، وأولياء الله هم الذين اتقوه واستقاموا على دينه وهم من وصفهم الله بقوله :
|